المشاهد
المشاهد

الأخبار

” العدالة المناخية”.. التحديات العالمية وحلولها في مواجهة تغير المناخ

الكاتب الصحفي هانى سليمان
هانى سليمان -

يشهد العالم اليوم تحولًا بيئيًا غير مسبوق، ويبدو أن تغير المناخ لم يعد مجرد تهديد مستقبلي بل واقعًا ملموسًا يؤثر بشكل مباشر في حياة الملايين من الناس حول العالم، ومع هذا التحول، يظهر مفهوم العدالة المناخية كأحد القضايا الرئيسية التي يجب تناولها بجدية.. فبينما تعاني بعض الدول من آثار تغير المناخ المدمرة، نجد أن الدول الأكثر تضررًا غالبًا ما تكون الأقل مسؤولية عن التلوث الكربوني للمناخ .

العدالة المناخية: مفهوم وأهمية

العدالة المناخية تشير إلى ضرورة تقاسم الأعباء والفرص المرتبطة بتغير المناخ بشكل عادل، ويشمل ذلك تخصيص الموارد المالية من الدول الغنية التي تساهم بشكل كبير في انبعاثات الكربون لدعم الدول الفقيرة التي تعاني من تأثيرات هذه التغيرات، ويتطلب ذلك أيضًا منح المجتمعات الأكثر تضررًا، مثل السكان الأصليين والفئات الفقيرة، دورًا فعالًا في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمناخ.

الدول الأكثر تضررًا: جزر المحيط الهادئ وأفريقيا وآسيا

تواجه جزر مثل "المالديف وتوفالو" تهديدًا بالغرق بسبب ارتفاع مستويات البحر، بينما يعاني سكان دول مثل بنغلاديش والصومال من الأعاصير والفيضانات والجفاف القاسي، كما إن هذه الدول لا تساهم بشكل كبير في الانبعاثات العالمية، لكنها تتحمل أكبر الأعباء في ظل استمرار التغيرات المناخية التي تزيد من معاناتها اليومية.

تأثير تغير المناخ على الاقتصاد والمجتمعات

تغير المناخ لا يؤثر فقط على البيئة، بل يمتد تأثيره إلى الاقتصاد العالمي، مع زيادة التكلفة الاقتصادية للأزمات البيئية مثل الفيضانات أو الجفاف التي تضرب المناطق الأكثر ضعفًا والعديد من المناطق، خصوصًا في العالم النامي، تشهد انهيارًا في البنية التحتية وتدميرًا للمحاصيل الزراعية، مما يهدد حياة ملايين البشر ويساهم في زيادة معدلات الفقر.

إحصائيات مقلقة: حجم الأزمة المناخية عالميًا

تشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن نحو 70 مليون شخص مهددون بفقدان منازلهم بسبب ارتفاع مستويات البحار بحلول عام 2050، كما تشير التقارير إلى أن الدول النامية تحتاج إلى 300 مليار دولار سنويًا لتلبية احتياجات التكيف مع آثار تغير المناخ، وعلى الرغم من أن الدول الكبرى تعهدت بتقديم مساعدات مالية، إلا أن هذه الوعود لا تزال قيد التنفيذ.

مؤتمرات المناخ: خطوات إلى الأمام أم مجرد وعود؟

من مؤتمر باريس 2015 إلى COP26 في غلاسكو 2021، كانت المؤتمرات الدولية خطوة أساسية نحو بحث حلول لتغير المناخ، ولكن هل هذه المؤتمرات تقدم حلولًا حقيقية؟ في مؤتمر باريس 2015 تم الاتفاق على تقليل درجات الحرارة العالمية بحيث لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، لكن تنفيذ هذه التعهدات لا يزال يشهد تحديات كبيرة.

في غلاسكو 2021، تم التأكيد على ضرورة تخصيص تمويل للتكيف مع آثار تغير المناخ، وتحديد أهداف أكثر طموحًا لتقليل الانبعاثات، ومع ذلك، لم يحقق المؤتمر جميع الأهداف المرجوة، وبقيت العديد من التعهدات غير مفعلة على الأرض، وفي مؤتمر شرم الشيخ 2022، ركز المؤتمر على تعويضات المناخ للدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، ولأول مرة في تاريخ المؤتمرات المناخية، تم إدراج آلية تمويل لتعويض الأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية.

مؤتمر المناخ القادم في البرازيل: هل نقترب من الحلول؟

من المتوقع أن يشهد مؤتمر COP30 المزمع عقده في البرازيل في 2025 نقلة نوعية في التعامل مع قضايا تغير المناخ، خاصة في دول أمريكا اللاتينية التي تواجه تحديات بيئية ضخمة، وستركز البرازيل بشكل خاص على قضايا غابات الأمازون و التنوع البيولوجي في إطار الحلول المناخية، حيث ان البرازيل تعتبر من الدول الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، حيث تواجه تحديات كبيرة تتعلق بإزالة الغابات وارتفاع درجات الحرارة.

خطوات نحو المستقبل

اليوم، لا تقتصر العدالة المناخية على توفير التمويل المالي فقط، بل تشمل أيضًا البعد الحقوقي، حيث ينبغي للمجتمعات المحلية المتضررة أن تكون جزءًا أساسيًا في تخطيط وتنفيذ استراتيجيات التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ، كما ان هذه العملية تتطلب تغييرات جذرية في السياسة الدولية وكيفية توزيع الموارد العالمية بشكل عادل.

كما ستظل المؤتمرات المناخية محطات حاسمة في مسيرة الإنسانية نحو حل الأزمة المناخية، ولكن لتحقيق الأهداف المنشودة، يجب أن يتم الالتزام الفعلي بتطبيق التعهدات الدولية، حيث إن العدالة المناخية لا تعني فقط مشاركة الموارد، بل تعني أيضًا إشراك المجتمعات الأكثر تضررًا في اتخاذ القرارات، ومنحها الفرصة للتعبير عن احتياجاتها وتطلعاتها لمستقبل أكثر استدامة.