المشاهد
” العدالة المناخية”.. التحديات العالمية وحلولها في مواجهة تغير المناخ ” المشاهد” يرصد.. خطوات استباقية لمواجهة الكوارث الطبيعية وزيرة البيئة تشارك النواب أهم مستجدات الملفات البيئية المحلية والدولية بمشاركة مُمثلي 12 دولة.. وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية تفتتح ورشة العمل الإقليمية للبنك الدولي وزير الزراعة يعلن حصول الحجر الزراعي المصري على شهادة الأيزو لأول مرة مباحثات مصرية إيطالية لتعزيز التعاون المشترك فى مجالات الاتصالات مؤسسة أفرولاند للتنمية المستدامة تفتح باب التطوع بمحافظة الأقصر مؤسسة تكفيك نعمتي تطالب بإصدار الاستراتيجية الوطنية للإعاقة أنكر إنوفيشنز تستعرِض تجربةً صوتية غامرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي في مُؤتمر مايكروسوفت رسالة حب و تأييد للرئيس السيسي من اهالي دمياط في أمسية رمضانية الفيومي: تطوير قدرات العاملين بالصناعة ضرورة لتطوير قطاع الغزل والنسيج نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية يشارك في أعمال اللجنة العليا للشراكة الصناعية بقطر

الأخبار

حين تصبح السياحة نافذة السياسة في تونس

لم تعد السياحة في تونس مجرد قطاع اقتصادي يعتمد على الشواطئ والمواقع الأثرية لجذب الزوار وتحقيق العائدات المالية.

خلال السنوات الأخيرة، تحولت السياحة إلى أداة سياسية تلعب دوراً بارزاً في رسم صورة تونس على المستويين الإقليمي والدولي.

هذا التحول جاء نتيجة التغيرات السياسية المتسارعة في المنطقة والتنافس الدولي على تقديم نماذج الانفتاح والاستقرار.

اليوم، لم يعد الأمر مقتصراً على استقطاب السائح فقط، بل باتت تونس تستخدم قوتها السياحية لإبراز هويتها وموقعها كدولة منفتحة وآمنة وذات تاريخ عريق.

فهم هذا التداخل بين السياسة والسياحة أصبح ضرورياً لأي متابع للشأن التونسي، خاصة مع تزايد أهمية القطاع في تعزيز العلاقات الخارجية وجذب الاستثمارات الجديدة.

كيف ساهمت السياحة في تحسين صورة تونس السياسية

تحولت السياحة في تونس خلال العقد الأخير إلى أداة استراتيجية لإبراز صورة البلاد على الساحة الإقليمية والدولية.

لم يعد القطاع مقتصراً على استقطاب الزوار لأجل الشواطئ والآثار فحسب، بل أصبح منصة تعكس انفتاح تونس على الثقافات المتنوعة وحرصها على التحديث.

الوجهات التقليدية مثل سوسة وقرطاج تحتفظ بجاذبيتها التاريخية، لكن بروز وجهات حديثة مثل كازينو تونس يشير إلى توجه جديد نحو مزج الحداثة مع الأصالة.

هذه المواقع لا تقتصر فقط على تقديم تجربة ترفيهية، بل تؤدي دوراً مهماً في تعزيز صورة تونس كدولة متسامحة ومنفتحة، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات ثقافية وسياسية.

السياحة بهذا المعنى أصبحت وسيلة لدعم الدبلوماسية الناعمة وجذب المستثمرين الذين يرون في استقرار القطاع مؤشراً إيجابياً على المناخ العام للبلاد.

ما لاحظته عند زيارة هذه الوجهات هو حرص القائمين عليها على تقديم تجربة متكاملة تعكس قيم الضيافة والانفتاح، وهو ما يسهم فعلياً في بناء الثقة مع الزائر الأجنبي وتغيير الصور النمطية عن تونس لدى الرأي العام الدولي.

تأثير التحولات السياسية على القطاع السياحي

لا يمكن فصل المشهد السياحي التونسي عن الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها البلاد منذ عام 2011.

لقد كانت الثورة نقطة تحول كبرى، حيث تسببت في تذبذب كبير في أعداد السياح وتغير توجهات الزوار القادمين من أوروبا والعالم العربي.

التغيرات الحكومية المتلاحقة وسياسات الانفتاح بعد الثورة أثرت بشكل مباشر على صورة تونس خارجياً، فباتت البلاد تُقدَّم للعالم كنموذج للانتقال الديمقراطي في المنطقة.

هذا الارتباط بين السياسة والسياحة جعل القطاع عرضة للتأثر بالأحداث الإقليمية والدولية، لكنه من جهة أخرى وفّر فرصة لتوظيف السياحة كأداة لدعم الاستقرار وجذب انتباه المستثمرين والزوار الباحثين عن تجربة جديدة وآمنة.

الثورة التونسية وانعكاساتها على السياحة

بعد أحداث الثورة، مر قطاع السياحة في تونس بمرحلة صعبة اتسمت بتراجع أعداد الوافدين وتردد الأسواق التقليدية مثل السوق الأوروبية.

هذا الانخفاض كان متوقعاً بالنظر إلى المخاوف الأمنية وحالة عدم اليقين السياسي التي رافقت المرحلة الانتقالية.

مع مرور الوقت وعودة الاستقرار النسبي، بدأ القطاع يتعافى تدريجياً وعادت الحملات الترويجية تستقطب الزوار الباحثين عن وجهة آمنة ومتنوعة ثقافياً.

واستخدمت تونس نجاحها في الانتقال السلمي كرمز للانفتاح والاستقرار، فصارت صورة البلاد ترتبط بالإصلاح السياسي والتعايش مما شجع الكثيرين على إعادة النظر وزيارة تونس من جديد.

السياسات الحكومية الجديدة ودعم السياحة

استجابة للأزمة، اعتمدت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة سياسات جديدة لدعم قطاع السياحة منها تكثيف الحملات التسويقية بالخارج وتحسين البنية التحتية للمناطق السياحية.

شهدنا حملات ترويجية موجهة للأسواق الناشئة بالإضافة إلى تسهيلات في منح التأشيرات لجذب شرائح سياحية جديدة من إفريقيا الشرقية وآسيا الوسطى.

أيضاً تم الاستثمار في تأهيل الفنادق والمواقع الأثرية لتعزيز قدرة البلاد على المنافسة إقليمياً ودولياً، مع مراعاة معايير السلامة والجودة العالمية.

كل هذه المبادرات ساهمت تدريجياً في استعادة ثقة الزوار وجعلت من القطاع أحد أعمدة الاقتصاد الوطني ورمزاً لعودة الاستقرار والانفتاح التونسي على العالم.

السياحة الثقافية والدبلوماسية الناعمة

السياحة الثقافية في تونس صارت أكثر من مجرد زيارات إلى متاحف أو مواقع أثرية، بل تحولت إلى وسيلة فعّالة لتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى.

من خلال الترويج لتراثها المتنوع وتنظيم الفعاليات، تبرز تونس نفسها كنموذج للتعايش والانفتاح أمام العالم.

الفعاليات الثقافية وتبادل الوفود الفنية يسهمان في كسر الحواجز وبناء جسور من الثقة والحوار مع دول الجوار وأوروبا.

هذا النهج عزز مكانة تونس الدبلوماسية، وجعلها وجهة يفضلها الباحثون عن تجربة أصيلة تجمع بين الأصالة والتجديد.

المهرجانات الثقافية كجسر بين الشعوب

المهرجانات التونسية لم تعد مجرد مناسبات ترفيهية محلية، بل أصبحت منصات دولية تجمع فنانين وفرقاً ثقافية من مختلف القارات.

مهرجان قرطاج الدولي على سبيل المثال يستضيف سنوياً عروضاً عالمية ويجمع جمهوراً متعدد الجنسيات في قلب العاصمة.

هذه الأحداث تلعب دوراً كبيراً في التعريف بالثقافة التونسية وتعزيز الحوار بين الشعوب من خلال الموسيقى والمسرح والفنون البصرية.

من تجربتي في حضور هذه الفعاليات، لاحظت أن حضور أوروبيين وعرب خلق أجواء حوار وتفاهم قلما نشهدها خارج فضاء الفن والثقافة.

المواقع الأثرية كرموز للهوية والانفتاح

تزخر تونس بمواقع أثرية مثل قرطاج والجم وسبيطلة التي تجسد تاريخ البلاد الممتد عبر حضارات متعددة.

زيارة هذه المواقع تمنح السياح فرصة لاكتشاف التنوع الحضاري والانفتاح الذي ميز المجتمع التونسي عبر العصور.

لاحظت أن الاهتمام الدولي بالمواقع الأثرية والمتاحف ساعد في تصحيح بعض الصور النمطية عن تونس وربط اسمها بقيم التسامح والحداثة بدلاً من الصراعات السياسية فقط.

هذه الصورة الإيجابية تنعكس بشكل مباشر على العلاقات الخارجية وتجذب وفوداً رسمية وثقافية تسعى لفهم نموذج التعايش التونسي عن قرب.

التحديات والفرص أمام السياحة السياسية في تونس

إذا نظرنا إلى المشهد السياحي في تونس، نجد أنه يحمل وجهين متناقضين تمامًا.

من جهة، تبرز تحديات حقيقية تعيق توظيف السياحة كأداة لتعزيز الحضور السياسي للبلاد، مثل التوترات الأمنية الإقليمية والهواجس المتعلقة بالاستقرار.

وفي الوقت نفسه، تفتح التطورات الإقليمية وانفتاح الأسواق المجاورة أبوابًا جديدة للاستثمار وجذب الاهتمام الدولي بتونس كوجهة سياحية تحمل قيمة سياسية وثقافية.

هذا التوازن بين المخاطر والفرص يفرض على أصحاب القرار إعادة التفكير في إستراتيجيات القطاع وإيجاد حلول عملية تعزز الاستفادة من السياحة كنافذة للتأثير الإيجابي على صورة تونس عالميًا.

التحديات الأمنية والإقليمية

المخاوف الأمنية ليست مجرد هواجس إعلامية بل واقع فرض نفسه بعد أحداث السنوات الأخيرة في المنطقة.

تكرار الهجمات الإرهابية وتوترات الجوار أثرت بشكل مباشر على ثقة الزائرين الأجانب وشركات السياحة العالمية في اختيار تونس كوجهة رئيسية.

رغم ذلك، لاحظت خلال مواسم متعاقبة كيف استطاعت السلطات المحلية التعامل مع هذه الأزمات من خلال تعزيز الإجراءات الأمنية وتكثيف الحملات الميدانية في المناطق السياحية الحساسة.

هذه التحركات ساهمت تدريجيًا في استعادة جزء من الثقة وجذب الزوار مرة أخرى، لكن استمرار الاستقرار يبقى الرهان الأساسي لأي استثمار سياسي عبر السياحة.

فرص الاستثمار والشراكات الدولية

في المقابل، فتحت التغييرات الدولية أمام تونس فرصًا ملموسة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وخاصة من أوروبا والخليج العربي لتطوير مشاريع سياحية حديثة ومستدامة.

لاحظنا بوضوح اهتمام مستثمرين جدد بإنشاء منتجعات وفنادق تحمل طابعًا عصريًا أو بيئيًا يجمع بين الترفيه والتجربة الثقافية الأصيلة.

كما لعبت الشراكات مع بلدان أوروبية وعربية دورًا مهمًا في دعم الحملات الترويجية المشتركة وتنويع الأسواق المستهدفة بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الأسواق الكلاسيكية فقط.

كل فرصة استثمارية ناجحة تعني مكسباً مزدوجاً: تحسين الاقتصاد وتعزيز صورة تونس كدولة مستقرة ومنفتحة سياسياً وسياحياً في آن واحد.

خاتمة: السياحة والسياسة... مستقبل متداخل في تونس

التجربة التونسية أثبتت أن السياحة لم تعد مجرد نشاط اقتصادي بل تحولت إلى وسيلة مؤثرة في رسم السياسات الخارجية وصورة البلاد في العالم.

التداخل الواضح بين القطاعين يمنح تونس فرصة لتوسيع نفوذها الدبلوماسي وتحسين علاقاتها مع شركاء جدد.

استثمار هذا التداخل بشكل مدروس يمكن أن يعزز من مكانة تونس إقليمياً ودولياً ويفتح آفاقاً جديدة للتنمية.

من الضروري الاستمرار في تطوير القطاع السياحي وتوظيفه كرافعة للسياسة والدبلوماسية، خاصة وسط المتغيرات الإقليمية والدولية السريعة.